يعكس الوضع الأمني والسياسي في لبنان في جانب منه محاولات قطرية للمشاغبة على الدور السعودي خصوصاً، والخليجي عموماً، ردا على موقف المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة والذي قد يكون مقدمة لإخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي في حال استمرارها في التغريد خارج السرب الخليجي بما يهدد أمنه، خصوصا بعدما ثبت أن الدوحة مستمرة في دعم “الاخوان المسلمين” التي تبين لأنظمة دول الخليج ان لديهم مخططات تستهدفها، فضلا عن مخططاتها في دول عربية اخرى في شمال أفريقيا والتي انكشفت بعد إسقاط نظام الرئيس محمد مرسي “الإخواني” في مصر الذي كان يراد منه ان يكون “رأس جسر” للسيطرة على انظمة بقية الدول العربية الافريقية.
ويقول قطب سياسي لبناني ان الامر بلغ بقطر حد عرقلة نيل حكومة الرئيس تمام سلام الثقة، اذ حاولت تأليب عدد من القوى السياسية الحليفة لها، او التي ترتبط بمصالح معها، وذلك في مواجهة كادت تكون مكشوفة بين هذه القوى وبين الاطراف السياسية التي ترتبط بعلاقات متينة مع السعودية والامارات، خصوصا داخل قوى 14 آذار. فالنائب عماد الحوت “الجماعة الاسلامية” في لبنان التي هي أحد فصائل وجمعيات التنظيم العالمي لـ “الاخوان المسلمين”، امتنع عن اعطاء الثقة لحكومة سلام التي تدعمها السعودية وبقية دول الخليج، فيما حجب نواب “القوات اللبنانية” الثقة عن هذه الحكومة ايضا وسط تكهنات تفيد ان هذا الموقف “القواتي” قد يكون منطويا ايضا على خلفية قطرية ما لان “القوات” على علاقة جيدة بالدوحة، وان عدم مشاركتهم في الحكومة قد يكون بسبب هذه العلاقة، وليس فقط نتيجة خلاف مع بقية الحلفاء في فريق 14 آذار وعلى رأسهم تيار “المستقبل”.
ولا يستبعد هذا القطب السياسي ان تقتصر المواجهة القطرية للسعودية في لبنان عند حدود ما حصل في التصويت على الثقة بالحكومة فقط، إذ يتخوف من ان تحرك قطر الجماعات والمنظمات اللبنانية، وربما الفلسطينية المتطرفة التي تدعمها ومنها حركة “حماس” في بعض المخيمات الفلسطينية، وجماعة الشيخ أحمد الأسير (الذي تتضارب المعلومات عن مصيره بعد سيطرة الجيش السوري على يبرود) في مواجهة تيار “المستقبل” وحلفائه وكل القوى السياسية التي تربطها علاقات جيدة مع الرياض.
ويعتقد هذا الوزير ان النزيف المستمر والمتجدد في طرابلس بين حيي جبل محسن الذي يقطنه العليون وباب التبانة الذي يقطنه السنة قد يكون سببه دخول قطري على خط بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة في باب التبانة للاستمرار في تأجيج الخلاف في عاصمة الشمال بغية ارباك تيار “المستقبل ” وحلفائه واحراجهم امام بقية القوى السياسية اللبنانية واظهارهم وكأنهم عاملون على الفتنة، وبالتالي إحراج السعودية وبقية الدول الخليجية العاملة على المساعدة في تثبيت الاستقرار اللبناني.
ويخشى القطب السياسي نفسه ان يكون الوضع الأمني في لبنان في الايام والاسابيع المقبلة عرضة لكثير من الانتكاسات، خصوصا بعد التقدم الميداني الذي حققه النظام السوري في القلمون وفي ريف حمص الغربي بما مكنه من السيطرة على الشريط الحدودي بينه وبين لبنان. وتفيد معلومات ان القطريين ساهموا في تفكيك جبهة المعارضة المسلحة في يبرود، وكذلك في ريف حمص من خلال دفع الجماعات التي تتلقى دعمهم الى الانسحاب من مواقعهم القتالية ما أضعف صمود بقية قوى المعارضة في مواجهة قوات النظام وبالتالي سقوط يبرود وشقيقاتهم تحت ضربات الجيش النظامي، وذلك في خطوة قطرية هي مثابة رد على الموقف السعودي والخليجي ضد الدوحة.
ويرى القطب السياسي ان هذا “التحول” في الموقف القطري بدأ مع حصول صفقة اطلاق راهبات معلولا، التي مولتها الدوحة ولعبت دورا بارزا في إتمامها، حيث ان رئيس مخابراتها غانم الكبيسي اقام في لبنان اكثر من عشرة ايام وحاول ان يقابل الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ولكنه فشل في ذلك رغم انتظاره الطويل وتذرعه لمن طلب منهم تأمين هذه المقابلة انه يريد نقل “رسالة قطرية مهمة” الى نصرالله. وتبين ان المسؤولين في حزب الله لم يأمنوا جانبه فسمعوا منه ما لديه، وأبلغوه استحالة اللقاء مع الامين العام للحزب، فغادر الى الدوحة بخفّي حنين.. وخالي الوفاض.
والى ذلك، يقول سياسيون لبنانيون آخرون لـ”إيلاف” ان الدوحة تريد في ضوء زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للرياض اواخر الشهر الجاري، ان تظهر ان واشنطن لا تستطيع التخلي عنها وعما قدمته وتقدمه من “خدمات” للادارة الأميركية ومنها افتتاحها مكتبا لحركة “طالبان” الافغانية في قطر ليكون مقرا لتفاوض بين القيادة الطالبانية والجانب الأميركي يركز على تأمين “خروج آمن” للقوات الأميركية من الاراضي الافغانية اواخر السنة الجارية. والى ذلك، يعتقد هؤلاء السياسيون أن الدوحة وفي سياق “حربها” الدبلوماسية ضد الرياض وشقيقاتها الخليجيات، ستحاول تطوير علاقاتها مع طهران وكذلك مع العراقيين، فضلاً عن تطوير علاقتها بالنظام السوري حيث بعثت له ببعض الرسائل غير المباشرة على هامش اطلاق راهبات معلولا، فضلاً عن الحفاظ على علاقتها مع تركيا رجب طيب اردوغان “الاخوانية”، وذلك اعتقادا منها ان ذلك يمكن ان يطوق حركة دول مجلس التعاون الخليجي ويدفعها الى “الاعتراف” بالدور القطري كـ”ضرورة ” خليجية على حد ما تشتهي.
لكن هؤلاء السياسيين اللبنانيين يقولون إن الدوحة لا يمكنها ان تلعب الدور السعودي مهما “نفخت” دورها او “إنتفخ”، لان الرياض تتمتع بموقع ودور قوي ومؤثر جداً عربيًا واسلاميًا ودوليًا، وانها الاقدر على الامساك بكل خيوط اللعبة عربيا واقليميا واسلاميا، وهي الأقدر ايضا على التعاطي مع ملف الازمة السورية في الاتجاه الذي يدفعها الى الحل او حتى في اتجاه اي خيارات أخرى، ولا يمكن لقطر ان تحقق اي مكسب في هذا الاتجاه، وتاليا لا يمكنها ان تلعب الدور التاريخي الذي تملكه السعودية في حل الخلافات العربية لما لها من وزن عربي كبير شكل ويشكل أحد أبرز اسس اي نظام عربي في كل مكان وزمان، كذلك فإن مجرد حصول انفتاح وتقارب بين الرياض وطهران وهو امر قد يحصل في وقت ليس ببعيد، ستتبخر كل ما تحلم به الدوحة من انها بعلاقتها مع طهران يمكن ان تصرف القيادة الايرانية عن رغبتها المرحلية والاستراتيجية التي تبديها دائما لجهة اقامة امتن العلاقات مع القيادة السعودية، فما يفيد طهران هو اقامة علاقة مع الرياض حاضنة كل الخليج، ولا يفيدها ابدا اقصار علاقتها مع الخليج بقطر “الدولة الإمارة” التي تستمد قوتها من مال، لا من تاريخ ودور تاريخي كذلك الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية.
ولذلك يؤكد السياسيون اللبنانيون اياهم أن الزمن لن يطول بالدوحة حتى تعود صاغرة الى “بيت الطاعة” السعودي خصوصا، والخليجي المعبر عنه بمجلس التعاون عموما، لأنها لن تتمكن من التغريد طويلا خارج السرب الخليجي، اذ ستكتشف ان الادوار الكبرى والمؤثرة والاستراتيجية لا يصنعها المال، وان دورها الذي انتفخ في مرحلة خلت انما انتفخ على وهم وانها كانت كـ”ضفدع” لافونتين الذي انتفخ فظن نفسه انه صار جبارا عظيما ليكتشف بعد زوال انتفاحه انه مجرد ضفدع قليل الحيلة ولا حول له ولا طول.
المصدر: صحيفة إيلاف.
شاهد أيضاً:
ضم قوات مصرية وأردنية ومغربية لدرع الجزيرة
تويتر يزيل علامة اعتماد حساب أردوغان ويبقي عليها لـ جول بعد حجبه بتركيا
جدال تافه ينتهي بتشويه وجه فتاة بريطانية إلى الأبد
منذ سنة واحدة
منذ سنة واحدة