وفاة الصحف الورقية
وأكد الأحمدي حول رحيل الأعمدة المميزة بالصحف، بأن الأعمدة الصحفية ليست أول الراحلين، فقد رحلت قبلها جميع العناصر الرئيسية في الصحف التقليدية من أخبار وتحقيقات وتقارير، عدا عن مقالات الأدباء والمفكرين والرواد السعوديين”.
وأضاف: “الصحف الورقية ماتت بالفعل، بدليل أنها لم تعد توزع في نقاط البيع، ولم يعد الناس يأخذونها مجانا حتى في الطائرات، وبالتالي اعتقد أنه من مصلحة الكتاب المحترفين الانتقال إلى وسائل نشر مختلفة. وأنا شخصيا لدي قناعة بأن المحتوى الجيد والفكر الجميل يملك قوة دفع ذاتية تتيح له الانتشار في عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي طالما أحبه الناس وآمنوا به”.
انقلاب المعادلة
وشدد الأحمدي على أن مشكلة الصحف الورقية تكمن حالياً في انقلاب المعادلة الإعلامية رأساً على عقب، ففي الماضي كانت هناك نخبة تتحدث وصحف تحتكر الخبر، مقابل جمهور محروم يأخذ الخبر من مصدر واحد ويتلقاه بطريقة لا تسمح بأي نوع من التفاعل، أما اليوم فأصبح الجمهور بفضل الوسائل الإلكترونية هو من يصنع ويتداول ويستهلك الأخبار والأفكار، بل ويتفاعل معها من خلال النقاش والإضافة والتعديل، فلم يعد الناس يقبلون على الصحف الورقـية (لأسباب كثيرة) أهمها أنها ماتزال وسيلة صامتة وباتجاه واحد لا تسمح بالتفاعل ولا التجاوب ولا توفير مصادر رديفة.
واستطرد الأحمري، بأن أسباب العزوف عن الصحف الورقية، مقارنة بالوسائل الإلكترونية أصبحت الصحف الورقية بطيئة جدا في نقل الخبر، وتتميز بصبغة تقليدية في الصياغة والتحرير، والتي عفا عليها الزمن، لم تعد تناسب الأجيال الجديدة، كما أنها لا تملك ميزة التفاعل الصوتي والبصري الذي تملكه المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي النهاية، من الذي سيكلف نفسه عناء الخروج للبحث عن صحيفة تتحدث عن أخبار الأمس، بدل فتح هاتفه الجوال لمعرفة أخبار اليوم.
وبيّن أن هناك صحفا ورقية تملك مواقع إلكترونية لكنها غير قادرة عن التنافس، وقال: “أكبر خطأ وقعت به الصحف الورقية منذ البداية هو ربـط مواقعها الإلكترونية بإدارتها التقليدية ومحتواها الورقي، فظلت تدار بالعقلية الورقية وتقدم محتوى يناسب الطبيعة الورقية، فظهرت كنسخة مملة وتقليدية من الصحف ذاتها، خسرت فرصة اجتذاب القراء كمحتوى إلكتروني، لو أنها نشأت منذ البداية كمؤسسات مستقلة من حيث الإدارة والمحتوى لكانت السباقة اليوم في احتكار الصحافة الإلكترونية”.
50 رسالة دكتوراه
حول صحة ما ذكر أن الأحمدي كتب 50 رسالة دكتوراه، قال: “ليس لي دخل فيه ولم أعرف عنه إلا من الصحف، وما حصل هو أن شخصاً مغرماً بالإحصائيات اسمه أحمد الزمامي يدرس الدكتوراه في بريطانيا، جمع متوسط المقالات التي كتبتها منذ عام 1991، وأشار إلى أنها تساوي من حيث الحجم 50 رسالة دكتوراه بحسب المقاييس البريطانية، ونشر هذه الإحصائية في موقع سوتشا للإحصائيات، ثم في صحيفة الرياض بتاريخ 4 أكتوبر2017، وحين انتقده البعض كيف تقارن بين مقالات صحفية ورسائل أكاديمية، أشار إلى أن “المقالات” نشرت جميعها بنسبة 100% وتأثر بمحتواها الناس سواء في الصحيفة أو المواقع والمنتديات، في حين ظلت الثانية في معظمها حبيسة الأدراج، أو غير مقروءة ومؤثرة بين الناس.
تركي السديري والأحمدي
ذكر الأحمدي بأن تركي السديري يمثل مرحلة ذهبية في صحافتنا المحلية، لم يكن فقط رئيس تحرير ناجح، بل وكاتباً مؤثراً لدرجة تؤخذ مقالاته أحيانا كمصدر رسمي، كان مدرسة إدارية أثبتت نجاحها، وكاريزما متحركة لم تستقطب فقط المواهب الصحفية، بل وحتى الإعلانات التجارية لصحيفة الرياض، كان له الفضل ــ بعد الله ــ في تفريغ المواهب الصحفية وتعلمت منه أن “المؤسسة الناجحة” هي التي تستقطب أكبر عــدد من المواهب الناجحة.
وأشار إلى أن الكتابة المعرفية تأتي بقوالب وأشكال مختلفة، فالمقالات الصحفية هي أيضاً نوع من التأليف، ولكنها محدود بمساحة معينة وفكرة مقتطعة تناسب النشر الصحفي، ففي الصحيفة كنت محدوداً بــ400 كلمة ومطالب بإرسال المقال قبل الواحدة ظهراً، في حين أنني أجد راحتي في تأليف الكتب، أكتب قدر ما أشاء ولا أحمل هم الانتهاء في وقت محدد، بل وأشعر بالانتصار حين أعـود لتطوير فكرة مقال سابق وأتوسع بها إلى أضعاف حجمها في الصحيفة.
وختم الأحمدي حديثه: “ستتوقف زاوية حول العالم عن الظهور، ولكنني سأنشر كتابين كل عام، ومن علم، ربما تظهر لي مقالات متقطعة عند اللزوم في أي صحيفة أخرى”.