منذ 8 سنوات
أكد رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى “الدكتور ناصر بن علي الموسى” أهمية القرار الذي أصدره وزير التعليم “الدكتور أحمد بن محمد العيسى” -مؤخرًا-، والقاضي بدراسة دمج مرحلة رياض الأطفال مع الصفين الأول والثاني الابتدائيين.
وأشار إلى أن هذا القرار يكتسب أهميته من كونه يعنى بالتعليم المبكر الذي يعد اللبنة الأولى التي تقوم عليها منظومة التعليم بكاملها؛ إذ في هذه المرحلة تكتسب المفاهيم الأساسية، وتتشكل الميول والاتجاهات لدى الأطفال.
وأبان الموسى أن الاهتمام بهذا النوع من التعليم هو ما تؤكد عليه رؤية المملكة “2030” وبرامجها التنفيذية، وهو كذلك ما يطالب به مجلس الشورى في قراراته التي كان آخرها القرار رقم “69/32” وتاريخ “28/7/1438هـ”، الذي نص في بنده “ثانيًا” على: “الاهتمام بالتعليم المبكر بما يضمن توفر الفرص التعليمية لجميع الأطفال في هذه المرحلة وفق خطة زمنية محددة”.
ونبه الموسى إلى أن قرار الوزير قد بدأ بكلمة “دراسة”، وهو أمر يحمد للوزارة؛ حيث إن موضوعًا مهمًّا مثل هذا لا بد أن ينضج من خلال الدراسات العلمية، والخبرات العملية، وورش العمل التخصصية، ويُخرج في إطاره التاريخي، وسياقه التربوي، ومحتواه العلمي.
ولاحظ الدكتور الموسى أنه على الرغم من كل ما سبق إلا أن مهام اللجنة التي نص القرار على تشكيلها لإعداد الدراسة اللازمة اقتصرت على الجوانب الإجرائية، ولم تعن كثيرًا بالجوانب الموضوعية، وحتى يحقق القرار الأهداف المرجوة من تطبيقه، فإنه يتعين على وزارة التعليم أن تتخذ قرارها في ضوء المتغيرات التالية:
أولاً: الأمر السامي رقم “7/ب/5388″، وتاريخ “3/3/1423هـ”، والقاضي بالتوسع في فتح رياض الأطفال، وجعلها مرحلة مستقلة عن التعليم، وتبعاً لذلك أصدر مجلس الشورى قراره ذا الرقم “116/75″، وتاريخ “18/2/1429هـ”، الذي طالب وزارة التربية والتعليم سابقاً في بنده “رابعاً” بالتنسيق مع وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية باتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل هذا الأمر السامي، ثم صدر قرار مجلس الشورى رقم “68/42″، وتاريخ “9/10/1430هـ”، بغرض التأكيد على قرار المجلس السابق بهذا الشأن، وحث الوزارة على الإسراع في اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذ مضمون الأمر السامي سالف الذكر، وقد قامت وزارة التعليم بجهود طيبة في هذا المجال وفق الإمكانات المتاحة لها.
ثانياً: فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم “24988”، وتاريخ “15/1/1432هـ”، التي تضمنت ما نصه: “بأن اختلاط البنين والبنات في الصفوف الأولية أو المرحلة الابتدائية عموماً أو غيرها من مراحل التعليم؛ لا يجوز فعله ولا إقراره، كما لا يجوز جعل الصفوف الأولية الابتدائية للبنين من ضمن مدارس البنات”.
وهذا يعني أن على وزارة التعليم -إِنْ لم تكن قد فعلت- التواصل مع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لإيضاح وجهة نظرها التربوية، وتحرير مصطلحاتها العلمية، وتحديد مقاصدها التعليمية، وتقديم الضمانات اللازمة لتطبيق هذا القرار في إطار الضوابط الشرعية.
ثالثاً: قرار مجلس الشورى رقم “49/29″، وتاريخ “14/6/1435هـ”، الذي دعا في بنده “خامساً” إلى إجراء دراسة تقويمية لعدد من التجارب التربوية، وفي مقدمتها: “تجربة إسناد تدريس الطلاب الذكور في الصفوف الأولية للمعلمات بالتعليم الأهلي، وتزويد المجلس بنتائج الدراسة، وذلك خلال عام”.
وهذا يعني أن المجلس يريد من الوزارة أن تجري دراسة تقويمية شاملة لهذه التجربة تستخدم فيها الأساليب العلمية المتبعة في عمليات التقويم، ويقوم بها بيت خبرة متخصص مستقل عن الوزارة، وكان المجلس حريصاً على سرعة إنجاز هذه الدارسة، بحيث حدد لها عاماً واحداً، لكنّ شيئاً بهذا الخصوص لم يصل إلى المجلس حتى الآن سوى دراسة قديمة تم إعدادها بتكليف من الوزارة، وصدرت عام 1432هـ، وهي دراسة مسحية بسيطة تستطلع آراء عينة من أولياء الأمور، وأخرى من المديرات والمشرفات التربويات والمعلمات بشأن تأنيث التعليم في الصفوف الأولية للمرحلة الابتدائية، وقد أيدت هاتان العينتان هذا الإجراء بأغلبية ساحقة، بَيْدَ أن من المهم هنا التنبيه إلى أمر مهم جداً هو أن مثل هذه الدراسة وحدها لا تفي بالغرض، ولا تحقق المطلب بشأن موضوع القرار، وعليه .. أصدر المجلس قراره المشار إليه آنفاً، وما زالت مطالبته قائمة بإجراء دراسة تقويمية علمية مكتملة العناصر يمكن من خلال نتائجها إصدار حكم على هذه التجربة؛ إما بالنجاح التام فيمكن تعميمها، أو النجاح الجزئي فيتـم تعميمها مـع إجراء التعديلات المقترحة، أو الفشل الكامل ليتعين إيقافها.
رابعاً: الأدب التربوي الذي لا يظهر أن هناك إجماعاً أو حتى شبه إجماع حول تأنيث التعليم في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية؛ فالبعض يرى أن المرأة أقدر وأصبر على التعامل مع الأطفال في هذه المرحلة، وأنها تستجيب لاحتياجاتهم النفسية والانفعالية بشكل أفضل من الرجل، في حين يرى آخرون أن الأطفال في هذه المرحلة أحوج ما يكونون إلى الرجل الذي يمثل لهم القدوة في اكتساب الصفات الرجولية بعيداً عن الخصائص الأنثوية، بينما هناك من يؤيد تأنيث الهيئة التدريسية مع الفصل التام بين الجنسين، بل ظهرت في الدول التي تقوم مؤسساتها التعليمية على التعليم المختلط بشكل عام أصواتٌ تنادي بفصل الجنسين لاختلاف الخصائص والاحتياجات.
وفي هذا الخضمّ من الآراء المتباينة والتوجهات المختلفة التي تسود في الأوساط التربوية، فإنه يتعين على الوزارة أن تقوم بإجراء دراسة علمية تحليلية متكاملة لنتائج الأبحاث والدراسات، ومخرجات التجارب والخبرات المحلية والإقليمية والعالمية المتعلقة بهذا الموضوع بغرض استخلاص النموذج الذي يعمل على إيجاد بيئة تعليمية تربوية يرتفع فيها التحصيل الدراسي، ويرتقي التفوق الفكري، ويزدهر الإبداع العلمي والأدبي والفني، وتكتسب القيم والمهارات، وتتطور الميول والاتجاهات، وتنضبط السلوكيات والانفعالات بما ينهض بمستوى تعليمنا في كافة مراحله، وهو ما ينبغي أن يستهدفه قرار معالي الوزير.
خامساً: مصطلحات القرار لا تدل على أنه يوجد لدى الوزارة رؤية واضحة بشأن الفكرة المستهدفة، فالقرار لا يبين ما إذا كان المقصود هو تأنيث هيئة التدريس مع الفصل الكامل بين الجنسين، أو الفصل الجزئي، أو التعليم المختلط! وهذا يحتم على الوزارة تحرير مصطلحاتها في ضوء نتائج الدراسة المقترحة.
وشدد الدكتور الموسى في ختام حديثه على أهمية هذه المتغيرات، وأن عدم أخذها بعين الاعتبار في مرحلة صناعة هذا القرار قد يؤدي إلى نتائج عكسية وخيمة تعود بالضرر على تعليمنا خاصة ومجتمعنا بشكل عام بحسب صحيفة سبق.
منذ سنة واحدة