استعاد سعوديون جدل العجز المالي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وسط مخاوف على رواتب التقاعد، وخصوصاً المبكر، وذلك بعد أن قدمت المؤسسة حلولاً إلى مجلس الشورى أخيراً، من خلال تقريرها السنوي، تقترح فيها تقليص ما يحصل عليه المتقاعدون مبكراً.
واستفاد من خدمات المؤسسة طوال 44 عاماً، 23.9 مليون شخص، فيما يبلغ عدد المشتركين على رأس العمل 10 ملايين شخص. وتصرف «التأمينات» حوالى 1.4 بليون ريال شهرياً.
وانعكس الجدل على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إذ ظهرت ردود فعل «غاضبة» من اقتراحات «التأمينات». وقال المغرد خالد الرشيد: «بعد فشلها في إدارة موارد التقاعد وخسارة مئات الملايين في سوق الأسهم، التأمينات تقترح على الشورى تطبيق نسبة خصم في معاشات المتقاعدين».
وذهب فهد الراشد أبعد من الانتقاد، إذ هدد بمقاضاة المؤسسة التي مضى على تأسيسها 48 عاماً، ودون: «لتستعد التأمينات للدخول في التقاضي مع من ترغب في خصم معاشاتهم».
وغرد المستشار السابق في التخطيط الاستراتيجي في «أرامكو السعودية» برجس البرجس: «التأمينات الاجتماعية تشتكي من التقاعد المبكر وهي من وضع النظام»، لافتاً إلى أن المؤسسة يناسبها التقاعد عند سن الـ60، ويموت المتقاعد عمره 61، «وأيضاً ستخسر التأمينات». ولم يستغرب أن تفشل استثمارات المؤسسة، وأيضاً لم يستغرب أن «تفشل محاولات إنعاش القلب».
وقال المغرد خالد العلكمي إن «التأمينات الاجتماعية تطلب دعم الشورى لخطتها بالخصم من المعاشات، فشل في سياسة الاستثمارات والحل كالعادة جيب المواطن.. الجدار الضامن».
وأبدت المؤسسة في تقريرها السنوي ميلاً إلى تحديث شروط التقاعد المبكر، مبدية مخاوف من ظهور عجز مالي، مبينة أن التزامات الرواتب التقاعدية ستكون أعلى من الإيرادات. واقترحت تطبيق نسبة خصم في معاشات المتقاعدين مبكراً عن كل سنة تسبق عمر المتقاعد بلوغ السن النظامي للتقاعد (60 عاماً)، أو إيجاد مصادر تمويل إضافية تعادل الكلف التي يسببها التقاعد المبكر، «حتى لا يتحول الوضع إلى عبء على موازنة الدولة مستقبلاً، وعلى الاقتصاد في شكل عام» بحسب قولها.
ولم تجد اقتراحات المؤسسة قبولاً في مجلس الشورى، وتساءل أحد الأعضاء عن قيمة استثمارات «التأمينات الاجتماعية» واستراتيجيتها الاستثمارية للمرحلة المقبلة لرفع عوائدها المالية. وطالب المجلس بمعلومات تفصيلية عن فئات المشتركين وأعدادهم والتي ستكشف عن حجم السعودة الوهمية.
ورأى عضو آخر أن الحد الأدنى للراتب التقاعدي للمشمولين بالتأمينات الاجتماعية لا يتناسب مع كلفة المعيشة، وشدد على ضرورة مواجهة العجز الاكتواري المتوقع، مطالباً بأهمية أن تكون حلولاً مناسبة لا يتأثر منها المستفيد.
والعجز الاكتواري نظام لا يعبر عن العجز الحقيقي، ولكنه عبارة عن حسابات مستقبلية ومعادلات تعتمد بشكل أساسي على علوم الرياضيات والاقتصاد والإحصاء وتطبيقاتها في مجال حساب وتقييم المخاطر والالتزامات المالية على المديين القريب والبعيد.
ولاحظ عضو آخر أن جزءاً من مداخيل «التأمينات الاجتماعية» يتم تغطيته من الاشتراكات الجديدة، وليس من الدخل الاستثماري للمؤسسة ما يسبب عجزاً اكتوارياً متصاعداً كل عام. وأكد المجلس ضرورة الحصول على معلومات عن أعمال شركة «حصانة» الذراع الاستثماري لمؤسسة التأمينات الاجتماعية.
وأبدت المؤسسة معارضتها التقاعد المبكر، معددة سلبيات عدة له، وأكدت أنها رفعت تقريراً بمرئياتها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، موضحة أنها «جهة تنفيذية وليست تشريعية». وأبانت أنها لا تملك حق تعديل أو الغاء أي من حقوق المشترك التي أقرها نظام التأمينات الاجتماعية، والذي أجاز للمشترك الذي لم يبلغ سن الـ60 وتوقف عن أداء العمل الخاضع لأحكام النظام الحصول على معاش التقاعد المبكر، متى بلغت مدة اشتراكه 300 شهر (25 عاماً) على الأقل.
وقال الناطق باسم «التأمينات» عبدالله العبدالجبار حينها، إن «المؤسسة عندما طرحت موضوع التقاعد المبكر، وأنه يشكل عبئاً مالياً على الصندوق التقاعدي»، للافتاً إلى أن ذلك ورد ضمن تقريرها السنوي المرفوع إلى المقام السامي، «لتؤكد على مبدأ الشفافية والمسؤولية في إيضاح حقيقة ما قد تتعرض له صناديق التقاعد من أعباء مالية مستقبلية تتحملها الأجيال المقبلة، إذا لم يتم الاستعداد والعمل على دراسة الحلول المناسبة لها».
وأبان العبدالجبار أن «نسبة معاشات المتقاعدين مبكراً تتجاوز حالياً 63 في المئة من إجمالي المعاشات الشهرية التي تصرف، والبالغة حوالى 1.4 بليون ريال شهرياً، بينما لا تتجاوز نسبة المستفيدين من التقاعد المبكر 34.2 في المئة من اجمالي المتقاعدين».
وظهر جدل واسع في العام 2014، بعد اقتراحات ظهرت في مجلس الشورى بإقراض المؤسسة العامة للتقاعد (المسؤولة عن تقاعد الموظفين الحكوميين) 100 بليون ريال، وإقراض المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 50 بليوناً، واقترح عضو رفع سن التقاعد ليكون 62 عاماً بدلاً من 60، لتغطية العجز المتوقع في صندوقيهما، وليتمكنا من توسيع استثماراتهما.
كشف التقرير السنوي الصادر من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن العام 1436هـ، أنه تجاوز عدد المشتركين المستفيدين من نظامها منذ تأسيسها في العام 1393هـ وحتى ذلك العام، 23.9 مليون مستفيد، أما عدد المشتركين على رأس العمل من القطاعين الخاص والعام في العام ذاته تجاوز عشرة ملايين مشترك.
وفي معاشات التقاعد عموماً، شكل ما صرفته المؤسسة لهذا الفرع حوالى 84 في المئة من إجمالي مصروفات المعاشات بقيمة تجاوزت ستة بلايين ريال، وشملت التقاعد المبكر وتقاعد المرأة وبلوغ السن، وأعلى نسبة تقاعد مبكر كانت في المنطقة الشرقية بـ32.2 في المئة، تلتها محافظة الأحساء بـ17.2 في المئة، ثم الرياض بـ12.8 في المئة.
وبلغ مجموع ما صرفته المؤسسة لفرع المعاشات عموماً منذ بداية نشأتها حتى العام 1436هـ، أكثر من 130 بليون ريال، لمستفيدين يزيد عددهم على 2.3 مليون مستفيد، وصرفت خلال ذلك العام للمعاشات أكثر من 15 بليون ريال، بنسبة نمو عن العام السابق له بلغت 5.6 في المئة.
ويمثل مكتب المؤسسة في الشرقية الغالبية العظمى من ناحية المبالغ المصروفة في المعاشات بـ29 في المئة في 2015، وبمبلغ 4.5 بليون ريال، وذلك لوجود الشركات الكبرى من ناحية عدد الموظفين والأجور المرتفعة، بحسب تقرير المؤسسة.
تستثمر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لغرض المحافظة على استمرارية الصندوق في تغطية الحقوق التأمينية للمشتركين في النظام، وتنقسم هذه الاستثمارات إلى قسمين، الأول هو استثمارات مالية متمثلة في استثمارات نقدية، وقروض، وسندات، وأسهم.
وتعتبر المؤسسة من كبار المستثمرين في المملكة، إذ شملت غالبية المصارف والشركات وخصوصاً في قطاعات الصناعة والاسمنت والاتصالات، إضافة إلى استثماراتها في شركات عدة في القطاع الصحي، وتستثمر في 48 شركة متداولة أسهمها في سوق الأسهم السعودية، و18 شركة غير متداولة.
أما القسم الآخر فهو الاستثمارات العقارية، وتستثمر المؤسسة في مبان عدة مملوكة بالكامل لها، وبلغ عدد المباني القائمة 17 في نهاية العام 1436هـ، وتجاوزت قيمتها خمسة بلايين ريال، إضافة إلى مبان أخرى قيد الإنشاء، وتتنوع هذه المباني ما بين مجمعات تجارية وسكنية ومشروعات استثمارية.
والتأمينات الاجتماعية هي مؤسسة عامة حكومية لها استقلالها المالي والإداري، وتخدم ثلاثة فروع، وهي: فرع الأخطار المهنية ويكفل تقديم التعويضات في حالات إصابات العمل، إضافة إلى فرع المعاشات ويكفل تقديم التعويضات في حالات العجز غير المهني، والشيخوخة، والوفاة، ونظام التأمين ضد التعطل عن العمل بحسب صحيفة الحياة.
منذ سنة واحدة