أثارت صورة حديثة الجدل من جديد، بشأن قضية عدم الاعتراف الديني بمفهوم المراسم والرمزيات الوطنية، الذي لطالما كان باباً مفتوحاً للجدال بين العلماء التقليديين.
وقبل أن تأخذ مسألة الوقوف للنشيد الوطني، وأداء تحية العلم أبعاداً أخرى، أشبه ما تكون برمز ثوري وغاية سياسية، قامت بتبنيها ورعايتها جماعات وأحزاب الإسلام السياسي.
من ذلك، كانت القصة الشهيرة بوقوف عائض القرني للسلام الوطني، وجلوس عوض “الموقوف حالياً على ذمة قضايا لأمن الدولة” في إحدى المناسبات من العام 2016.
الصورة القديمة عندما قوف عائض القرني وجلس عوض
فلا يزال خطاب تيارات الإسلام السياسي – بشكل عام – محافظاً على موقفه المعادي لكافة الرمزيات والسلوكيات ذات البعد الوطني، والتي كانت أبرز صورها الوقوف أثناء ترديد “السلام الوطني”، واعتبار ذلك من مظاهر التعظيم التي تؤثر على عقيدة الإنسان، وما فيها من إظهار الولاء لغير الله، وهو الرأي الذي التزمت به أغلب التيارات الإسلامية المسيسة، باستثناء من حسمت أمرها بفكرة الولاء للوطن.
إلى ذلك، كشفت صورة جديدة، جاءت هذه المرة لشخصيات محسوبة على مؤسسات دينية رسمية سعودية، عن حجم تضارب المفاهيم والأحكام واستمرار الجدل بين الشخصيات الدينية حول مسألة “الوقوف للسلام الوطني”، من عدمه.
كان ذلك في صورة جمعت اثنين من رموز القيادات الدينية في منطقة الجوف، بعد أن آثرا البقاء جالسين لدى إلقاء “السلام الوطني”، خلال حفل تدشين “حملة تراحم الجوف”.
وإلى جانبهما مباشرة من على الجهة اليمنى الشيخ عبيد الجلال، المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة الجوف، الذي اعتبر وقوفه للسلام الوطني تجسيداً لرمزية الوطن، وما يحمله من تقدير لبلاده وإعزازاً له.
وأضاف: “لا أرى في وقوفي للسلام الوطني أي تقصير في ديني، وخصوصاً أن رايته تحمل التوحيد، ولا إله إلا الله راية كل مسلم، ويجب على كل مسلم أن يفتخر بها”.
وأشار الجلال إلى استناد البعض في عدم الوقوف للسلام الوطني، إلى فتاوى واجتهادات قديمة، لم تعد تتواءم اليوم مع الظروف والمستجدات العصرية، إلى جانب عدم استنادها إلى دليل أو نص شرعي واضح وقطعي حول مسألة القيام للسلام الوطني أو أداء تحية العلم، وإنما مجرد اجتهادات.
ونوه إلى اضطراب توصيف هذا الأمر في اجتهادات العلماء، فمنهم من رأى فيه بدعة ومنهم من قال لا يجوز، ما يدلل على كونه اجتهاداً.
ووفقا لموقع العربية نت رأى مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالجوف في هذا التضارب حول مسألة الوقوف للسلام الوطني الذي ظهر من خلال الصورة أثراً سلبياً، باعتبار الشخصيات الدينية: “قدوة للشباب وللجمهور إلى جانب شدة تأثيرها، ولن نستطيع ترجمة أقوالنا سوى من خلال مواقفنا”.
وتابع قوله: “إن من جلس وللأسف الشديد يمثلون قطاعاً رئيسياً مهماً، وعدم قيامهم للسلام الوطني يجعل لدى العامة شكوكا بهذا الأمر، وهذا أمر غير صائب، فمن مقاصد الإسلام العظيمة اجتماع الكلمة وتوحيد الصف والابتعاد عن أي أمر يشرخ هذه الوحدة”.
بالمقابل، أكد الشيخ عبيد الجلال تلقيه بعض الرسائل المستنكرة لوقوفه للسلام الوطني، في حين استحسنه آخرون، قائلا: “حقيقة لا اكترث لمثل هذا النقد، فمنطلقي جاء من باب شرعي، ولدي قناعة تامة به وليس عن هوى نفس”.